الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية لـمـاذا لا يـعـتــــرف سياسيونا بالاستقالة؟

نشر في  23 جويلية 2014  (11:03)

بعد جريمة الاربعاء الاسود بجبل الشعانبي والتي خلّفت استشهاد 15 جنديا. انتفض حكامنا وارعدوا وتمخّضوا فأسفروا عن ندوات صحفية وقرارات و وعد ووعيد للمتربّصين بالدولة وبأجهزتها خلف تلال الشعانبي. هل تكفي تلك القرارات ليتحمّلوا مسؤولية ماجرى؟
لكأّن ما حصل مجرد حدث عابر في صفحات هذا الوطن. دماء وأشلاء وشواء وجثث متفحمة على سفح الجبل، وقرارات مرتجلة و متسرّعة و تخبّط في الخطابات. اليست المناصب تكليفا ومسؤوليات قبل ان تكون تشريفا؟ الاستقالات ليست متوفرة في معاجم حكامنا.
صار من المألوف الاستماع الى انزياحات الرئيس المرزوقي وهو يخطب أو يدلي بتصريحاته أويشارك في تظاهرة او حدث. تجده تارة يطلق تهديداته من وراء البحار لنصب المشانق لما اسماهم باليسار العلماني واخرى يقسم فيها نساء تونس الى سافرات ومحجبات وثالثة يستقبل فيها بقصر قرطاج طائفة من المتشددين دينيا ثم ينعتهم فيما بعد بالجراثيم ويعود للاعتذار منهم إضافة إلى قطع العلاقات مع سوريا دون مراعاة لمصالح الجالية التونسية هناك. بعد كلّ هذه المواقف الرئاسية وغيرها، يصر سيادة الرئيس على  التشبث بمنصبه قائلا بصريح العبارة: «لن استقيل و سأقوم بواجبي الى أن تأتي الانتخابات»

تشبّث مرضي بالمناصب
رئاسة الحكومة بدورها لم تشذ عن قاعدة التجاوزات الجمة التي أتاها مختلف الحكام الذين مرّوا عليها منذ سقوط نظام بن علي. الباجي قايد السبسي افتتح حقبة ما بعد الثورة بأكثر من حركة. اعتدى على احدى صحفيات التلفزة الوطنية امام عدسات الكاميرا و نعت بعض رجال الامن بالقردة. خلفه حمادي الجبالي والذي شهدت فترة حكمه اغتيال شكري بلعيد والاعتداء بالرش على ابناء سليانة وارتكاب اعمال عنف فظيعة في قرية العمران بمنزل بوزيان وتسليم المسؤول الليبي البغدادي المحمودي رغم ما صاحب هذه العملية من شبهات بوجود صفقة مالية بين السلطات التونسية والليبية. يا للعجب تشبث مرضي بالمناصب لا مثيل له.
في كوريا الجنوبية ما ان غرقت عبارة ركاب حتى  قدّم رئيس الوزراء شونغ هونغ وون استقالته مقدما اعتذاره لأنه لم يتمكن من منع وقوع هذا الحادث، ولم يتمكن من التعامل بالشكل الصحيح مع نتائجه. بل قال : «يتعين علي أن أتحمل المسؤولية وأن أستقيل».
قائمة شهداء المؤسسة العسكرية ما فتئت تتّسع. في شهر جويلية فقط استشهد 19 جنديا بينما جرح العشرات اضافة الى احداث رمضان الفارط التي ذبح خلالها 8 من جنودنا بجبل الشعانبي دون التغافل عمن قضى نحبه بسبب الالغام التي ما انفكت تنفجر هنا وهناك. من يتحمّل المسؤولية الأخلاقية لهذه الارواح التي ازهقت؟ اليس وزير الدفاع وقبله رئيس الجمهورية بصفته قائدا أعلى للجيوش ثم رئيس الحكومة؟ الم يكن من المفترض ان يتحمّلوا مسؤوليتهم السياسية؟ اليست الاستقالة تحملا لمسؤولية سياسية واحتراما للشعب ولعائلات الشهداء؟
موت ودماء .. كأن شيئا لم يكن
وفي وزارة الداخلية يبدو ان الفشل السياسي قد اصبح امرا عاديا بالنسبة للمسؤول الاول عن الوزارة ، فاستشهاد 6 اعوان من الحرس الوطني في احداث سيدي علي بن عون في اكتوبر الماضي وتصفية اربعة امنيين كانوا بصدد حراسة منزل الوزير في القصرين لم ترق ايضا الى مستوى الحدث الجلل الذي يضع حكام هذا الوطن امام مسؤولياتهم.
بنظرات حائرة ،عاجزة يطالعنا هذا المسؤول، وزير كان او رئيس حكومة او رئيس دولة، لا يهم من منهم مادام تعاملهم الاعتيادي مع كل مصاب جلل لا يخرج عن كلمات مقتضبة.. مواساة.. اعلان حداد.. تأبين.. ثم يعود الكل الى قواعده كأن شيئا لم يكن.
اغتيال اول لشكري بلعيد، فثاني لمحمد البراهمي ثم تسريب لمعلومات عن تجاهل وزارة الداخلية لطلب الحماية الذي تقدم به شكري بلعيد و انكشاف امر الوثيقة الاستخباراتية  الامريكية المحذرة من اغتيال محمد البراهمي. وما بينهما احداث الرش بسليانة وفضيحة تهريب زعيم انصار الشريعة ابو عياض من مسجد الفتح بعلم وزير الداخلية آنذاك علي العريض. كل ذلك واكثر ولا حياة لمن تنادي. لكأن وزرائنا غير معنيين بتحمل مسؤولية ما يجري.
وزير يستقيل من اجل بطة واخر يتعنت رغم فضيحة الغش في اهم امتحان وطني
ما شهدته المؤسسات التربوية التونسية من تسريبات لامتحانات الباكالوريا لهذه السنة اماط اللثام عن تورط عصابات في اكثر من مدينة. تم ايقاف العشرات وحرمان اخرين من اجراء الامتحانات. كما تحدثت نقابة التعليم الثانوي عن تقديم الوزارة لارقام مظلّلة عن تفشي الغش في الامتحانات. على صعيد آخر بلغت علاقته بالمدرسين اشدها لتصل الى حد الاستنجاد باعوان الامن لطرد بعض النقابيين من مكتبه. السيد الوزير اختصر احداث الغش في  مجرد محاولات فردية، ثم سرعان ما كشفت التحقيقات القضائية عن تورط العشرات. في بلاد مثل السويد يستقيل وزير التربية لان احد تلاميذ المدارس قتل بطة في حديقة عمومية، لا لشيء الا لان الاعلام قد تحدث عن امكانية تحريض المنهج الدراسي في السويد على العنف والقتل. وفي بلد مثل اليابان يستقيل وزير التعليم  بعد تمزيق تلاميذ المدارس الكتب مع نهاية العام الدراسي، محملا نفسه مسؤولية عدم احترام  التلاميذ الكتاب. لو احتذى مسؤولونا بهذا الوزير لكنا على موعد مع استقالة لوزير التربية كل شهر على الاقل.
وزارة السياحة والتطبيع
منذ الساعات الأولى لتقلدها زمام الامور في وزارة السياحة واجهت امال كربول حملة من الانتقادات، أولها اتهامها بالتطبيع وبزيارة اسرائيل ، ثم طفت على سطح الاحداث قضية السياح الاسرائيليين الذين تم الترخيص لهم بالدخول لتونس.
شيراتون غايت.. سبب غير كاف للاستقالة؟
لم يحدث في تاريخ تونس تقريبا ان مرّت وزارة الخارجية التونسية بهزّات اشدّ مما عاشته مع وزير الخارجية السابق رفيق عبد السلام بوشلاكة. شهدت العلاقات التونسية السورية انقطاعا تاما، وتكررت زلات لسانه خلال تطرقه لموضوع التونسيين الغارقين في عرض البحر ( تحدث عن جثث في حالة موت) او حديثه عن السواحل التونسية التي قال انها تمتد على 500 كلم او استشهاده باسطنبول كعاصمة لتركيا. اما اكثر القضايا التي رافقت وجوده بوزارة الخارجية فهي مسألة الهبة الصينية والحجوزات بفندق الشيراتون التي اعتبرها منتقدوه اهدارا للمال العام. وبقطع النظر عن صحة التهم الموجهة اليه من عدمها فهي في حد ذاتها كافية لاستقالته .
حتى النواب والاحزاب غير معنيين بثقافة الاستقالة
ثقافة التمسك بالمناصب ليست حكرا على السادة الوزراء والرؤساء. حتى نوابنا الافاضل اثبتوا حرصا لا مثيل له على البقاء داخل قبة باردو. عدا نفر قليل منهم يواصل نواب التأسيسي التشبث بمناصبهم بعد ثلاث سنوات كاملة على انتخابهم، رغم الاصوات المحتجة على تمطيط مدة اشتغالهم لاكثر من اللازم.
 المعارضة التونسية بدورها مصابة بفيروس المناصب، اغلب الاحزاب لا تزال تحافظ على نفس التركيبة الهرمية. لا قيادات جديدة ولا دماء جديدة. شيوخ السياسة هم الذين يسيّرون دواليب هذه الاحزاب
هكذا هو حال سياسيينا مع المناصب والمكاسب السياسية. بل ان استقالة كل من محمد عبو وحسين الديماسي من حكومة حمادي الجبالي كانت بمثابة الاستثناء، خاصة انهما لم يرتكبا اخطاء فادحة دفعتهم لترك منصبهم . بما انهم ابتعدوا عن التشكيلة الحكومية احتجاجا لا اعتذارا.

محمد الجلالي